انتهت صلاة الإخوة وادعيتهم وخرجنا بعد ذلك إلى رواق وقبة مرقد الإمام ووجدنا زواره قد التفوا حوله يقبلونه ويسلموا على الإمام الرضا ابن موسى الكاظم، ابن جعفر الصادق، ابن محمّد الباقر، ابن عليّ السجّاد زين العابدين، ابن الإمام السبط الشهيد أبي عبدالله الحسين، ابن سيّد الأوصياء عليّ أمير المؤمنين، ابن أبي طالب، بن عبدالمطّلب..رضي الله عنهم جميعا.
هو الإمام الثامن من أئمة الشيعة
الإمامية ,كنيته أبو الحسن، ولقبه الرضا. ولد في 11 ذي القعدة عام (148 هجري ) في المدينة المنورة, وأمه تسمى نجمة من أفضل النساء عقلاً وتقوى، . ومدة إمامته عشرون عاماً من سنة 183 إلى 203 هجرية.
تذكره المصادر بأنه واصل جهاده العلمي ونشر علوم
أهل البيت وتجاهر بإمامته وخاصة في فترة الصراع بين الأمين والمأمون حيث كثر عدد الشيعة والعلويين، واظهر الكثير رفضهم وتمردهم على النظام العباسي. ولكن حاول المأمون امتصاص النقمة الشيعية بعد اتساع شهرة الإمام ونفوذه،وجعله ولي العهد من بعده.

انتهت زيارتنا للإمام وخرجنا من الحرم عائدين إلى الفندق والبرد يلحفنا حتى وقفنا أمام محل يبيع الحليب الطازج الحار فشربنا أكوابا سبعة ومنها إلى الفندق الذي سكنه هدوء الليل ,ونام الجميع إلى صباح اليوم التالي ... التفوا حول إفطار الفندق الذي تذمر منه قاسم لقلة أطباقه .. بالرغم من " القيمر " الطازج التي استلذت به .
وبعد آن انتهينا بحمد الله جمع "قاسم" حطة الرحلة ( - / 50 ديناراً ) لننطلق إلى مدينة ( طبرقه ) ركبنا الميني باص وكان قائده شاب إيراني لطيف المعشر .. لا يكل من السؤال والإجابة .. وصلنا بعد مدة إلى باحة سوق اتخذ شكل دائري من المحلات الجميلة التي احترفت بيع ما لذ وطاب من المكسرات والفواكه المجففة بأنواعها وأشكالها .
تجولت بعد ذلك مع "أبو يعقوب" نعم الرجل بأخلاقه وشهامته ,كم تنتشيني تلك الرحلات إلى القرى الصغيرة التي تطل بيوتها من على التلال العالية كأنها تراقب القادم والخارج ، وأشجار طرق القرية الباسقة بلونها الأخضر يستهوى الفؤاد متذكراً قصيد المتنبي" دنانير على الأرض ... ملاعب جنة لو سار فيها سليمان لسار بترجمان " ، انتهينا من القرية وانطلقنا إلى قرية أخرى مجاوره لها رأيت بيوتها الطينية التي صمدت سنينا ، دخلنا إلى طرقاتها وتوقف الباص فجأة ونزل الركب السبعة ولا أعلم أين وجهتنا ووقفنا عند مدخل أحاطه زواره من كل جانب وسألت فقالوا هذا مرقد الأمامي ناصر وياسر اخوان الإمام الرضا قتلا ودفنا بجوار بعضهما ، دخلنا للسلام عليهما ورأينا أفواج من حملات عربية ضايقت أخونا قاسم بصلاته... خرجنا ننتظر بالخارج .. وفجأة علا الصراخ من عتبة باب الضريح فضحك الجميع وقالوا أكيد " قاسم " " بالهوشة " وفعلا كان قاسم بطل المعركة .
انطلقنا إلى مطاعم منطقة "شانديز" ورأينا جموع الناس في يوم العطلة قد خرجوا من مدينة مشهد إلى البر والجبال ، كانوا يفترشون الأرض بجانب أي شجرة حتى لو كان ظلها قصيراً يشوون اللحم ويأكلون ما لذ وطاب .
اختلف الركب في أي المطاعم نأكل قاسم يقول :هذا المطعم مكانه أجمل وبويعقوب يرى الآخر أكله أطيب ,اتفقنا أخيرا على مطعم علا شانه بين الناس لمكانه وطيب مذاقه جلسنا على مصطبته العريضة ننتظر الأطباق المتنوعة, أكلناها حتى شبعنا لنحتسي الشاي في المطعم الجميل ذو الخضرة والماء والوجه الحسن !!!



سار الإخوة بصمت نحو حرم الإمام الذي مازا ل يعج بالناس وقد أخبرنا " بوعلى " عن أمر الزحمة بأنه آتى يوما في مناسبة دينية لم يستطع الدخول الحرم حتى عند الباب الخارجي بالرغم من حجم توسعته في السنوات الأخيرة في عهد الجمهورية الإسلامية التي بدأت بإنشاء عمارات ومعالـم جديدة ألحقت بالمشهد، وأحداث وترميم المحاريب والزوايا، وأحداث صحون وأروقة جديدة كذلك ألحقت بالمشهد المكتبات والمؤسسات والمراكز الثقافية وتـمّ تطوير مرافق الراحة والخدمات للزوار الذين يتوافدون يومياً على مرقد الإمام رضي الله عنه.
دخلنا عبر بوابة تفتيش أمنية ، أخبرت عن سبب ذلك بأن انفجارا قد وقع داخل المرقد قبل سنوات، اجتزنا الحاجز بسهولة ويسر وأودعنا أحذيتنا عند الأرفف الكثيرة .. ودخلنا إلى داخل المرقد ذو القبة الذهبية فذهلت من الزخرفة الزجاجية الجميلة .. وقف الإخوة عند مكتب النذور واخرجوا نقودهم وأمانه من أوصاهم .. ثم دلفنا بخشوع ورهبة إلى المكان ، صلوا قرب المرقد باتجاه قبلة المسلمين مكة المكرمة وجلست أنا متأملا ثم أخذت كتاب أدعية قرأت فيه آيات الذكر الحكيم ، ثم دنا مني "قاسم" وهمس قائلا : يا بو حسين إذا تحب أن تصلى بطريقتك لا بأس , فكثير من أهل السنة يأتوا للمكان ويصلون ... قلت : سوف اكتفى بتلاوة القرآن وأسأل الله العفو والمغفرة وفي مكان الضريح استذكرت ما كنت قد قرأته عن عمارة المراقد الإسلامية التي تطورت عناصرها المعمارية من قباب بسيطة على أضرحة الأئمة والأولياء إلى قباب ذات أشكال متشابهة بين بيضوية وبصلية ونصف اهليجية ترتكز على جزء اسطواني غير عريض. تكون القبة عادة من جزأين من البناء بينهما سلم للصعود إلى أعلى القبة كما يوجد في كل قبة باب أو أكثر. وفي الجزء الأعلى المدبب توجد (رمانة) ذات كؤوس وهي إما من الذهب أو غيره من المعادن الثمينة.وفي بعض المراقد تكون على شكل كف, وبقرب الرمانة يوجد علم اخضر يبدل بالأسود في محرم وصفر والمناسبات المحزنة. والقبة إما أن تكون مطلية بمادة معينة كالاسمنت والجص في المراقد البسيطة العمارة، أو مطلية بالقاشاني الملون والمزخرف في المراقد المتوسطة العمارة، أو مطلية بالذهب في المراقد الضخمة العمارة. والطلاء يبدل كل عدة سنوات بسبب تعرضه الدائم للأحوال الجوية.
وتتميز المراقد الكبيرة وخاصة لائمة أهل البيت رضي الله عنهم بما سمي بالحرم وهو البناء الذي يحيط بالضريح حاملاً القبة والمآذن، مزدانا بآية من آيات الفن المعماري سواء كان ذلك على شكل قاشاني وفسيفساء أو رخام آجر مزخرف أو مرايا مزخرفة. كما وتعلق فيه التحف الثمينة من ثريات بديعة الصنع وصور وزخارف خشبية ومجوهرات وحلي كما أن أرضه تفرش بالمنسوجات الثمينة بالرغم من إنها مرصوفة بأغلى أنواع الرخام المصقول.
كما توجد الملابن ومفردها (ملبن) وهو الجزء الهندسي الذي يغلف القبر ويطلق عليه محلياً اسم (الشباك) اذ انه يكون مشبكاً بطريقة زخرفية معينة. عرفت الملابن أولا مصنوعة من الخشب وخاصة خشب الساج وبعدها أصبح يصنع من المعادن كالبرونز أو النحاس. ثم صنعت الأضرحة من الفضة ثم نقشوها وطعموها بالذهب. ومما يلاحظ هنا أن النقش بالكتابة مشتهر على الملابن وخاصة بالخط الفارسي والسبب في ذلك يعود إلى أن هذه الأضرحة تصنع وتنقش في إيران، بمدينة أصفهان. وتشمل هذه الكتابات الأدعية والمدائح للائمة، وغيرها من الحكم والأقوال وأبيات الشعر أما زخرفته فبالرغم من إنها قليلة يلاحظ شدة اهتمام الصانع بها بحيث يمكن اعتبارها من فرائد الزخرفة الإسلامية. فمثلاً ملبن الإمام علي يعتبر غاية في الفخامة والروعة وبقدر ما فيه من فضة مليوني مثقال، وما فيه من ذهب عشرة آلاف مثقال، أما وحدة الإنشاء الزخرفية للملبن فتكون بتعامد قضبان فضة داخل كرات من الفضة أيضا. وكل ملبن يتكون من قطع وله أبواب، ربما كل باب منه بقطعة أو قطعتين ومنها له أبواب كبيرة تتكون من قطعة واحدة مزخرفة أو مكتوبة أو مطعمة بالذهب ذي الأشكال الهندسية المختلفة. وفي الملابن سقف مزخرف هو الآخر بطريقة مختلفة وفي بعض المراقد تعلق على الملبن قطعة نفيسة تنسج خصيصاً لوضعها على الملابن، يطلق عليها اسم (ستر) وهي أيضا ذات زخارف نسيجية ورسوم.أما قبور الأئمة والأولياء التي تضمها الأضرحة فتغلق عادة بصندوق خشبي أحيانا يرصع بالعاج وتنقش عليه الآيات القرآنية الكريمة وأسماء الجلالة المقدسة، كما في صندوق قبر الإمام علي كرم الله وجهه.



انطلق الركب السبعة "بوعلي" كبيرنا و"بهمن" صاحبنا و"بو يعقوب" أنشطنا والدكتور المستعجل دوماً وأبداً و"بوأحمد" الهادئ الضاحك وأنا الأصغر حجما وسنا يقودنا دليلنا قاسم إلى الأسواق القريبة التي كانت زاخرة بالبضائع الإيرانية فإيران لا تستورد شيئا فأغلب ما رأيناه كان صناعة إيرانية ذات جودة عالية وكانت تلك مفخرة يحسب لها برغم سنوات الحرب والحصار ..
قضى النهار وأسدل الليل ستاره والركب المتسوق لم يمل من التسوق بالرغم من ساعة إغلاق الأسواق أبوابها ليشعر الجميع بعد ذلك بالجوع فاحتاروا في اختيار المطعم حتى قادنا هذه المرة "بو يعقوب" إلي مطعم يعرفه منذ رحلته السابقة يشوي الكبدة الطازجة ذهبنا إليه لكننا لم نجد مكانا نظيفا نجلس عليه؟؟ فاثر الجميع أن يأكل الكبدة وقوفا وعلى قارعة الطريق .. أكلنا كثيرا حتى قام أحدنا بعد ما أكلنا فكانت 90 سيخاً من الكبدة المشوية....
عدنا إلى الفندق واقتربت الساعة الثانية عشرة ليلاً وتجهز الجميع لزيارة مرقد الإمام والذي تذكره المصادر بأنه كان سابقاً داراً لحميد بن قحطبة الطائي أحد قواد أبي مسلم الخراساني، وعندما توفي هارون الرشيد عام 193هـ دفن في هذا المكان وأقام ولده المأمون على قبره قبة سميّت فيما بعد (القبة الهارونية). ولما توفي الإمام مسموماً جيء بجثمانه ودفن بالقرب من قبر هارون الرشيد، غير أنَّ هذه القبة دمّرت عام 380هـ على يد الأمير سبكتكين تدميراً كاملاً، فأصبح مرقد الإمام الرضا المزار الوحيد في خراسان الذي حظي بالتقديس والإكبار حيث وضع السلطان مسعود بن سبكتكين على القبر الشريف ضريحاً مذهباً لتمييز قبر الإمام ,ثم
جدّد أبو طاهر شرف الدين القمي الوزير الشيعي للسلطان سنجر السلجوقي قبة المرقد ولـم تزل عمارته قائمة إلى أن خربها التتر، ولكن السلطان محمَّد خدا بنده حفيد هولاكو قام بتجديد عمارة المرقد فيما بعد.
وفي عهد السلطان ميرزا شاه رخ الكوركاني تـمّ في سنة 809هـ تعمير المشهد، وقامت زوجته الأميرة كوهر شاد بالعناية بالمشهد وبناء المسجد المتصل بالمشهد والمسمى باسمها.وفي سنة 932هـ أمر الشاه طهماسب الصفوي بتذهيب قبة المرقد، كما أقام منارة مذهبة ونصب حول المرقد ضريحاً من الذهب.وفي سنة 1010هـ قام الشاه عباس الكبير بإعمار المشهد وتوسيع الصحن وتذهيب قبة المرقد وفي سنة 1020هـ بنى الإيوان الشمال والشرقي والغربي.وفي سنة 1086هـ أمر الشاه سليمان الصفوي بتعمير قبة المشهد وتذهيبها على إثر سقوطها بسبب الزلزال الذي حدث سنة 1084هـ.وفي سنة 1153هـ اعتنى نادر شاه بالمشهد وقدم للروضة المطهرة قنديلاً من الذهب المرصع مع القفل الذهبي المرصع.وفي عهد فتح علي شاه القاجاري بوشر في سنة 1223هـ بتشييد صحن المشهد الجديد.وفي عهد محمَّد شاه تـمّ في سنة 1260هـ تزيينه بالقاشاني وأكمل ناصر الدين شاه تذهيب إيوان الصحن الذي بناه فتح علي شاه.وفي سنة 1401هـ



انطلق الركب السبعة من مطار الكويت إلي مدينة مشهد الإيرانية التي تقع في أقاصي إقليم خراسان , رتبها لنا مشكورا صاحبنا الفنان "بومحمد"، ركبنا الطائرة الإيرانية المتهالكة بفضل الاستعمال وكان اغلب المسافرون من الكويتيين التي بانت عليهم مظاهر النعمة دون سواهم فلله الحمد والمنة, استغرقت الرحلة ساعتين من الزمن قضيتها بالحديث مع " أبو يعقوب " تناولنا هم الانتخابات وما آلت إليه الأمور من صراع غير محمود بين الحكومة ونواب مجلس الأمة السابق وأيقنا أن الأمر القادم هو أسوأ ماهو عليه إن لم يعالج الأمر بحكمة...
حطت الطائرة بالسلامة في المطار الصغير وصلنا الساعة الثالثة عصرا بتوقيت مشهد أو "طوس" كما كانت تسمى قديما، فهي من كبريات مدن
إيران ومن أعظم مدن خراسان، يحدها من الشمال والشمال الشرقي تركمنستان، ومن الشرق أفغانستان ومدينة هراة، ومن الغرب مدينة شاهرود، ومن الجنوب مدينة بيرجند.فتحت في أيام الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فيها الكثير من الآثار والمزارات والمقامات وأهمها مرقد الإمام علي بن موسى الرضا رضي الله عنه، ومشهده الذي به سميت تلك المدينة مشهدا.
وصلنا وكان الجو جميلا ، وقائد الركب "بومحمد" يوجهنا إلي أصحاب التاكسي حيث الموعد عند الفندق ، ركب الجميع وركبت أنا معه .. وفي الطريق قال : يا أبو حسين أود أن أخبرك بالبداية عن أمر لن تشاهده بأي مدينة عربية ، قلت له : وماهو يا "بومحمد" قال :نظافة شوارع مدينة مشهد فلا يوجد ورقة منديل أو قرطاس مرمي على الأرض ، صدق بومحمد في قوله فانا طوال الطريق ألتفت إلى ما قاله ....
وصلنا إلى الفندق القريب من الحرم "الرضوي" , حط الأخوة رحالهم في الغرف الواسعة النظيفة حيث كان الفندق من استثمار شخص كويتي عرف حبه لمشهد وزيارة الأمام الرضا ... قال "بومحمد": نرتاح قليلاً ثم ننطلق إلي برنامجنا .. ارتحنا ساعتين من الزمن لنلبي بعدها دعوة أبو يعقوب إلى شرب قهوته التركية.. طيبة كانت كصاحبها .
أين نبدأ يا "قاسمللو" .. هكذا خاطبوا "بو محمد" ؟!!! .
قال قاسم الذي أحب أن يتولى مسؤولية الرحلات الجماعية منذ أن كان عمره (16) عاماً : نذهب إلى المطعم لنأكل ما يسد الجوع "تصبيرة" لحين وجبة العشاء ... قال الآخر: لا تصبيرتك سوف تفسد عشاؤنا وتثقل بطوننا عن زيارة حرم الإمام بعد ذلك ... قول هنا وقول هناك .. اتفقوا على الساندويتشات ... أكلناها من مطعم قريب كان إعلانه مضحكا وغريبا فهو عبارة عن سندويشة وضع بها يقرة كاملة مذبوحة والدماء منها تسيل من رقبتها.. ضحك الجميع من الإعلان وصاحب المحل ضحك معنا أيضا!!! .



أخرج السيجارة من علبتها وأشعلها بتروي وسار بتثاقل نحوها ..وقف أمامها ينفث الدخان الابيض ينظر بازدراء الى أوراقها المتساقطة غير عابئ بنظراتها اليه!! لكنها حركت أحداغصانها الملتوية تنكش شعره الكثيف وقالت : لقد شاب شعرك ..نظراليها بطرف عينه وأزاح بيده غصنها الملتوي دوما وأبدا وقال بصوت مبحوح: الا تخجلين !!..الا تعقلين!! , ردت عليه بنبرة صوتها الرجولي : ماذا تقول .قال : أقول لك ما تسمعين ..الا تكفي عن ملاحقة ذلك المسكين ,ماذا تريدين منه بعد أن حطمتي مستقبله وسرقت سنوات شبابه ..اتركيه يعيش بسلام كبقية خلق الله.
ردت عليه غاضبة : ومن قال لك انني أطارده هل أخبرك ذلك "الموسوس" الذي احترف ضرب الاخماس بالاسداس لا يا صاحبي لا أطارده ولا أفكر فيه لحظه فقد أخرجته من قلبي الى الابد ..
نظر اليها باستهزاء وقال : على من تضحكين ,علي أنا ..لقد خبرتك منذ سنين طوال ورأيتك كيف تصادي الطيور الوحيدة باغصانك "العاتكة".. اما حكاية انك اخرجتيه من قلبك فما هي الا خديعة له ولنا وانك تنتظرين ساعة الانقضاض عليه بصقورك حتى يقر المسكين باقترانك الغاصب له .. فالطير أدرك منذ زمن انك لن تتخلي عن حلمك المتصابي !! وانه أتاني يوما يحمل ورقتك الساقطة في " الشروق " البعيد تتهمينه بسرقة الثمر فخاف على نفسه من هذا الكيد فصبر محتسبا في عشه القديم حتى اخرجيته منذ سنوات صاغرا أمام أعين الناس التي استنكفت عقوقه ونكرانه لاهله ,لا لوم على أهل الطين ان جهلوا حقيقة ما جرى ويجري حين هددتي جميع أهل بيته بكشف عوراتهم ان اقتربوا منه ليبنوا له عشا أو يفرح يوما ..أردت الانتقام منه بكل السبل لأنه رفض كل محاولات اغرائك له بمالك المسروق وارضك المهبولة وملايين أسمهك الوطنية ومناصب الذل التي روجتيها له, لكنه ارتضى شيئا واحدا وهو ما حققه ان يبتعد عنك وعن وجهك الملعون لان البعد عنك غنيمة ما بعدها غنيمة !! , سعيت بكل مكر الى توريطه بشر الاعمال حتى ترصده العيون بتهمة التعاون والتآمر ,وسلطتي عليه في وحدته ذلك "الغراب الوافد" التي بدت عليه نعمة ما انفقتي عليه جزاء ما احترف من النقر عليه ليلا ليقضي مضجعه وليشبع رغباتك السادية ؟؟ لم تكتفي بذلك بل امطرتيه بوابل من الرصاص حين قرأ باعلى صوته سورة يوسف عليه السلام !! ما اردتي له خيرا قط ؟
نظرت اليه مستغربة كيف عرف صديقها الأديب كل ما كانت تخطط له , ورفعت أغصانها عالية تزمجر بصوت غريب كأنها تمارس طقسا سحريا اشتهرت به لف حولها غبار "اصفر" متطاير هنا وهناك , نظر اليها ورمى سيجارته وجرى مهرولا يستعيذ بالله من شرها ويتمتم "اللهم نجني ونجي الطير المسكين " "اللهم نجني ونجي الطير المسكين ".



في عام 1996 عدت من حج بيت الله الحرام وقد أنهكتني "الكحة" المفاجئة التي لم تنفع معها أدوية البعثة الكويتية أو مستوصف الفيحاء, فنشدت عيادة الدكتور احمد الخطيب لآخذ "إبرته" وأشفى من علة لم تشفى. دخلت العيادة في مبناها القديم بمنطقة حولي وقد سبقني في حجز الدور عدد ليس بالقليل من مختلف الجنسيات ,انتظرت طويلا والسعال لا يفارقني لحظة, حتى نادوا باسمي فدخلت على الدكتور "احمد" حييته فحياني وشرحت له مصابي, فكشف علي وكتب بهدوء وصفة دواءه وقال:إن لم ينفع معك الدواء خلال خمسة أيام راجعني ..مرت الأيام الخمسة "والكحة" أسوا مما كانت عليه, فلم أعرف من أمرها سكون حال أو هدوء بال لأطرق باب العيادة مرة أخرى وأخبرت الدكتور عما جرى فقال : يا أخ علي اذهب فورا وأعمل لي أشعة للصدر بالمستشفى "الفلاني" فهم أسرع من الحكومة ذهبت إلى المستشفى وعملت الممرضة البلغارية الأشعة وبعد أن أخرجتها تغير لون وجهها وانطلقت مسرعة إلى عيادة الدكتور القريبة الذي آتى معها على عجل وقال بصوت مرتبك :خذ التقرير والأشعة واذهب إلى الدكتور " احمد " فان لم يعالجك تعال هنا للعلاج فورا؟؟
أمسكت التقرير بيد راجفة وفكر غم عليه السواد , فما حكاية صدري المريض وما سر قولهم :تعال لنا فورا لنعالجك ؟؟وصلت العيادة ودخلت على الدكتور احمد دون أن انتظر, فقد أوصى الممرض بان لا أقف بالدور, امسك التقرير وقراه ثم اخرج الأشعة ونظر لها مليا وكتب دون تردد وصفة علاجه وقال :هذا دواء غالي الثمن لكن عليك بشراءه وأخذه كاملا وراجعني بعد أسبوع ولا تدفع رسوما للمراجعة, شكرت الدكتور احمد وغادرت , وانتظمت بأخذ الدواء ,ولمست بفضل الله الشفاء حتى انقطعت "الكحة " وعدت الدكتور "احمد " فكشف على صدري واطمئن على حالي وقال أوصيك بان لا تقرب مكيف الهواء البارد فحساسية الصدر عندك كبيرة .
حكاية قصيرة تشرفت بالعلاج على يد أول طبيب كويتي,تذكره المصادر بأنه ولد عام 1927 في فريج "الدهله" قرب سوق "واجف" , سافر بعد أن شد عوده إلى لبنان في منتصف الأربعينات لدراسة الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت وهناك تفتحت عيناه على خليط متعدد الأعراق والثقافات كان له الأثر في أن يستمع باهتمام إلى شروح حلقات الدكتور قسطنطين زريق عن القومية العربية التي بذرت فيه نشاطه السياسي حين أسس مع زملاء المهنة " حركة القوميين العرب" التي لعبت دورا بارزا في إثراء العمل السياسي في المنطقة العربية خلال عقدي الخمسينيات والستينات.
عاد بعد الدراسة إلى الكويت في منتصف الخمسينات وعمل طبيبا في
المستشفى الأميري (الحكومي), وبعدها فتح عيادة خاصة به , لعب الدكتور أحمد محمد الخطيب دورا بارزا في المجالس النيابية والحركات العمالية النقابية وخاض ما سمي بمعركة المجلس التأسيسي ومشروع دستور دولة الكويت الذي رآه الدكتور في "مذكراته" «الكويت: من الإمارة إلى الدولة ذكريات العمل الوطني والقومي» نضالا شعبيا ساهم دون شك في انتقال الكويت من إمارة إلى دولة ديمقراطية يحكمها دستور وقانون . كشف في مذكراته الطويلة والتي نشرتها "الجريدة" عن عمق علاقاته مع الزعماء العرب وكيف كان يستثمرها دوما لصالح وطنه الصغير, فذهب يوما يقابل صديقه الزعيم المصري جمال عبدالناصر مناشدا إياه التدخل لدرء خطر "قاسم" العراق عندما طالب بضم الكويت إلى جمهوريته فتصدى "عبدالناصر" ومعه العرب الشرفاء لأمر عبدالكريم قاسم وقاموا بواجب العروبة تجاه حماية الكويت والذود عنها .
كتب الكثير في "مذكراته" لكنه أشار في الجزء الثاني منها وتحت عنوان محبط للغاية "الكويت: من الدولة إلى الإمارة" إلى أمر في غاية الخطورة إلى ما سماه بقوى "لا تريد القانون المدني بل تريد العودة بالكويت إلى الوراء، وتريد مصالحها الخاصّة قبل مصلحة المجتمع والوطن والشعب. "فتسعى بكل الطرق "لإلغاء الدستور، والقانون، و جعل طريقة تطبيقهما تتعارض مع ما يريده الناس بما يدفعهم للابتعاد عن المشاركة في الحياة العامة، وفي الانتخابات، ويدفع قوى المجتمع الحيّة والطامحة إلى تطوير الكويت إلى الانكفاء، وهو ما شهدناه من خلال النسب المتدنيّة للمشاركة في الانتخابات، ومن خلال تكتل الناس على أساس انتماءات ما قبل الدولة الجامعة، أي الانتماء القبلي أو الطائفي، ومن خلال الحديث المتزايد عن الدور السلبي لمجلس النواب".
"ابوأريج " أطال الله بعمره يدق ناقوس الخطر محذرا من الآتي الذي سيسلب الأفواه حريتها وإيمانها بريادة "درة الخليج" فهل نحن له منصتون لصوته ؟؟






بدأ التصوير واستعمال الغرفة المظلمة من قبل الفنانين الايطاليين في القرن السادس عشر حيث أن عدداً كبيراً من الرسامين المشهورين قد استعملوها من بينهم الفنان ليوناردو دافنشي الذي طور هذه الفكرة وأصبحت صندوقاً به ثقب في احد جوانبه يستخدمه الفنانون في إعداد اللوحات والرسوم .

ليدخل بعد ذلك العالم كاردوي العدسة البصرية فكانت تستخدم لإصلاح أخطاء النظر والتصوير إلى أن تطور التصوير في اختراع الفيلم والصورة المطبوعة .

وتذكر المصادر أن بدايات البورتريه الفوتوغرافي كانت متواضعة فالأشخاص يصورون فوتوغرافيا كانوا يقفون أو يجلسون أمام الفنان وكاميرته بدون حراك لنحو من عشر إلى عشرين دقيقة لانتهاء تصوير البورتريه .. ؟!! .
إلا أن الثورة الفوتوغرافية قد أثرت وبشكل كبير على فناني البورتريه التقليديين ( التشكيليين ) فأصبح الجدل حول حقيقة البورتريه والشبه الفيزيقي أو ما يسمى بمطابقة الأصل .... ؟!!

فالبورتريه التقليدي يمنحنا كما يذكر أهل الاختصاص معرفة أمور كثيرة وليس مظهر الإنسان فقط ، بل حتى أفكاره وروحه الداخلية ... ؟!! فالفنان يرى أكثر من الآخرين ، فرائعة دافنشي التي عرفت بالموناليزا أكدت ودلت على ذلك الطرح فما زالت ابتسامة ونظرة السيدة الإيطالية ليزا الغامضتين عنوان بحث ونقاش وتاريخ ساهم في خلود اللوحة وفنانها الكبير دافنشي ، فاللوحة بعد أن رفض فرانشيسكو زوج الموناليزا استلامها بيعت إلى ملك فرنسا فرنسيس الأول وعلقت بقصر فرساي وبعد الثورة علقها نابليون بونابرت في غرفة نومه ثم عرضت بمتحف اللوفر الفرنسي إلى أن سرقها شاب فرنسي عام 1911م حبا بحبيبته المتوفيه والتي وجدها في لوحة الموناليزا فباعها بعد عامين لفنان ايطالي الذي أدرك الجريمة فابلغ السلطات الايطالية بحقيقة اللوحة المسروقة فقبض على اللص ، وأودعت اللوحة في متحف جاليري بايطاليا فثارت فرنسا باعتبار أنها حق مكتسب لها ، ودارت المفاوضات بعد ان كادت تقطع العلاقات الدبلوماسية لولا رضوخ ايطاليا أخيرا على إعادة اللوحة وسارقها إلى باريس ، فكان يوم عيد للفرنسيين والنقاد الذين أكدوا أن اللوحة لم تخلد الشخصية المرسومة فقط وإنما خلدت اسم دافنشي كفنان .

لقد قيل أن البورتريه بعث الأمل في دحر الموت ... وان نهاية الحياة هو بداية الفن .... فلم يبقى من الأقوام السالفة إلا الأثر ولم تبقى من الأجساد الفانية إلا صورتها .... هكذا أدرك العالم قيمة الفن في تخليد موتاه وليس أحياءه .